فضل سورة الإسراء
تعدّ سورة الإسراء من السور المكية التي تتناول العديد من المواضيع المهمة والمفاهيم العميقة، وهي السورة السابعة عشر في ترتيب المصحف الشريف، وقد نزلت بعد سورة النحل وقبل سورة الكهف. تُسمى أيضًا سورة بني إسرائيل بسبب ذكر بني إسرائيل في مطلعها، وتسمى أيضًا بسورة “السبحان” لافتتاحها بآية “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ”. تتناول السورة العديد من القضايا التي تُعنى بتوجيه الأمة الإسلامية إلى الإيمان بالله وتوحيده، وتعليمها عن الجوانب الأخلاقية والشرعية. كما تحمل هذه السورة في طياتها أحداثًا عظيمة مثل حادثة الإسراء والمعراج التي كانت بمثابة اختبار لإيمان النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
مناسبة نزول السورة وأهميتها
تأتي سورة الإسراء بعد فترة من الألم والضغط النفسي الذي تعرض له النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، بعد أن تعرض لهجوم شديد من قومه، فقد كان قد فقد عمه أبو طالب وزوجته خديجة رضي الله عنها. وقد كان ذلك بمثابة فترة اختبار للنبي صلى الله عليه وسلم. لذا، كان حادث الإسراء والمعراج بمثابة عزاء وطمأنينة للنبي صلى الله عليه وسلم، حيث نُقِلَ به من مكة إلى بيت المقدس ثم صعد إلى السماوات السبع ليشاهد من آيات ربه ما لا يُتصور.
التفسير القرآني لمفهوم الإسراء والمعراج
الآية الأولى من السورة تبدأ بآية “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَىٰ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَىٰ الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ”. في هذه الآية، يتحدث القرآن الكريم عن معجزة الإسراء والمعراج التي جعلت النبي محمد صلى الله عليه وسلم يذهب في رحلة ليلية من مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في القدس، ثم يعرج إلى السماوات السبع ليشهد من آيات الله ما يعجز عن وصفه البشر. تلك الحادثة كانت جزءًا من التجربة الروحية والعقلية التي أُريدَ لها أن تكون درسًا للأمة الإسلامية عبر العصور.
الفوائد الروحية والعقائدية من سورة الإسراء
-
الإيمان برسالة النبي صلى الله عليه وسلم
تعد حادثة الإسراء والمعراج من أعظم معجزات النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهي تمثل دليلًا قاطعًا على صدق رسالته. فحتى مع أزمات الجحود والرفض التي تعرض لها في مكة، كانت هذه الحادثة تثبيتًا من الله عز وجل لنبيّه، مؤكدًا له بأن رسالته مستمرة ومرتبطة بالسماء. وهي دعوة للمؤمنين لتعزيز إيمانهم برسالة النبي صلى الله عليه وسلم في كافة الظروف. -
دور المسجد الأقصى في الإسلام
من خلال الإسراء إلى المسجد الأقصى، يُبيّن القرآن مكانة هذا المسجد المبارك في الإسلام. حيث يُعتبر المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وقد بارك الله حوله. وقد تم الإشارة إلى هذا المسجد في الآية في قوله تعالى: “الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ”، مما يعزز مكانته الدينية في قلوب المسلمين. -
المعراج ورؤية عوالم الآخرة
في معراج النبي صلى الله عليه وسلم، تم له رؤية السماوات السبع ولقاء الأنبياء عليهم السلام، وقد رأى جنة ونارًا وآيات الله الكبرى. مما يدعونا للتأمل في عالم الغيب الذي يجب أن نؤمن به بدون شك. وهذه الرؤية تؤكد على مفهوم الحياة الآخرة التي هي الحقيقة التي لا مفر منها. -
الابتلاءات والامتحانات الإلهية
تعرض النبي صلى الله عليه وسلم في حادثة الإسراء والمعراج إلى ابتلاءات جسدية وروحية. لكنه برهن في هذه التجربة على صدقه في الدعوة، كما أن هذه الحادثة شكلت تحديًا كبيرًا للمشركين، إذ كان الخبر مستبعدًا لديهم. لذلك، فإن السورة تذكرنا بأن المؤمنين قد يمرون بمراحل من الابتلاءات، ولكنهم يجب أن يتحلوا بالصبر والثبات. -
توجيهات تربوية وأخلاقية
تتضمن السورة دروسًا أخلاقية كثيرة، مثل ضرورة الابتعاد عن الفواحش والموبقات، وضرورة إقامة الصلاة، والاهتمام بالطاعات. كما أن السورة تذكر الإنسان بفضائل الإحسان إلى الوالدين وتوجيه المسلمين إلى اتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم قدوة في الأخلاق والسلوك. -
التحذير من الكفر والعصيان
تشير السورة في مواضع متعددة إلى جزاء الكافرين والمكذبين. وهذه تذكرة عظيمة للمسلمين بأن الكفر بالله والفساد في الأرض له عواقب وخيمة. فتذكر السورة أن الله عز وجل قادر على معاقبة الناس مهما كانت قوتهم ومكانتهم.
محتوى السورة وتعاليمها
تحتوي سورة الإسراء على العديد من التعاليم المهمة التي يجب على المسلم التمسك بها في حياته اليومية. بداية من التوحيد وعبادة الله وحده، مرورًا بالحفاظ على الصلاة وإقامة الشعائر الدينية، وصولًا إلى التربية الأخلاقية والتعامل مع الآخرين بالعدل والإحسان. كما أن السورة تذكّر بالقدرة الإلهية على تغيير المواقف والأقدار، مما يعزز في النفس المسلم التوكل على الله والاعتماد عليه في كافة أمور حياته.
الخاتمة
تعد سورة الإسراء من السور الغنية بالمعاني والدروس التي تُفيد المسلم في جميع مجالات الحياة. من التأكيد على إيمان المسلم برسالة النبي صلى الله عليه وسلم ومعجزات الإسلام، إلى دعوته للاعتماد على الله والتوكل عليه في جميع الظروف، فإن السورة تعد من المنابع التي يمكن للمسلم أن يستمد منها هداياته الروحية والمعنوية. وعليه، فإن التعمق في معاني هذه السورة وتدبر آياتها يساعد المسلم على تعزيز علاقته بالله، والارتقاء بأخلاقه، وتحقيق نجاحات دينية ودنيوية.
